رحلة في ذاكرة مغيلة
كان والدي أثناء ثورة الحرية والكرامة يقاوم بما اوتي من صبره المعتاد مرضا مزمنا اجبره على ملازمة الفراش فتراه مستعينا بنا في قيامه وجلوسه ومرافقته الى فناء الحوش ليصافح الشمس التي ارضعته الحياة وألف توهجها في مواسم الحراثة والحصاد وغيرها من أشغال البناء ورغم معاناته وعجزه عن الحركة كان يسالني عما يجري من أحداث بعد فرار رأس النظام سابحا في سماء لا عرش فيها لسلطانه ولا شعب ولا من يناشد بقاءه الى يوم القيامة ولم يكف عن الانشغال بمصير الوطن الذي التحم بتربته الزكية منذ صباه ورواها بعرقه العطر الذي يتضوع من شجر الزيتون واللوز والصبار والارض وكل الأماكن التي احتضنته وكان يقص علي ملحمة الكفاح الوطني ككل تونسي صادق الحب والولاء لذكريات المقاومة المسلحة التي كتبت قصتها بدماء الشهداء فيغمرني شعور بالفخر والصمود والاعتزاز بالوطن فقد صور لي والدي وهو يصارع مرضه الأمي المزمن تلك المرحلة التي عاش فيها الشعب التونسي تحت قهر الاستعمار واستبداده الوحشي لتقسيم البلاد وترحيل شعبها والحلم بالتعمير على أرض أبية مستبسلة منذ ادعائه للحماية الواهمة وودباباته وطائراته نواهل من خيرات أرضنا وعروقنا الصارخة بالدماء ..كانت الثورة التونسية مناسبة عاد فيها والدي الى ذكريات الإستقلال، والصفحات المشرقة في تاريخ الوطن والوقوف عند معاني الايمان بالوطن الذي خاض عقودا من الكفاح المقدس منذ حمى الاستعمار لا الحماية التي أخمدت ، تحوّل كل أشكال المقاومة معتمدة سياسة الإغتيال والإعتقال والنفي... لكن هذا لم يكبل إرادة هذا الشعب التائق نحو التحرر ودحر الإستعمار مؤمنا بأن الليل سينجلي وبأن القيد سينكسر ...كنت استمع الى والدي وهو يسترسل في استدعاء تاريخ الثورة التونسية المسلحة ناسيا أوجاعه وعظامه التي وهنت وذهبت قوتها التي أفناها في العمل بين تونس وايطاليا ولكن كل ذلك الصراع مع الزمن والمرض لم ينزع منه ابتسامته العريضة وبريقا ينبض في عينيه الحالمتين البعيدتين وأسارير وجهه التي نسجتها السنون الحافلة بالطموح والتحدي واثبات الذات وقد سالني ذات مرة:" من هو الرئيس الذي ستولى رعاية تونس وشعبها فقد شغلني المرض عن متابعة الأخبار واقتناء الجرائد فقد فرخت الأحزاب وضاعت البوصلة فأرجو أن تكون هذه الثورة معززة لمسيرة الأجداد الذين لم يهدأ لهم قدر حتى الجلاء فتونس لا نخشى عليها الا من أبنائها يا بني كمال قال الزعيم الحبيب بورقيبة ويبغي أن يقود ها وطني يستبطن معاني الحب والوفاء والولاء ونكران الذات للخروج بالوطن من االفتنة والحروب الأهلية والطائفية اني لأخشى على الوطن من صراع الزعامات والجدل العقيم بين الديكة والكباش والنباح المسعور بين الطامعين في بريق القصر وبهرج الكراسي الوثيرة .."كان المرض الذي أقعده عن المشي يستفحل يوما بعد آخر متزامنا مع استفحال الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وكل زعيم سياسي يسعى الى كسب ثقة المواطنين فقد عاد أغلبهم من المنافي وهو لا يصدق ما حصل من تغيير جذري عصف بحقبة تاريخية أجبرت نظاما باكمله على التحليق في السماء باحثا له عن سرير يحفظ ماء الوجه الذي لم ينهمر طيلة سنوات الجمر التي كانت لا تعبأ "براية الوطن " رغم رفعها كل صباح مرفرفة فوق كل الموسسات الحكومية على ايقاع النشيد الوطني راية الوطن المخضبة بالدماء الطاهرة لشهداء تونس الأبرار ، الذين اعتنقوا سبيل الكفاح والتضحية والشهادة في سبيل الله والوطن واسخلاص العبر وأثناء استحضار تاريخ المقااومة المسلحة وبطولات الرجال الوطنيين عادت بي ذكرى وخزتني في العظم عندما وجدت زعماء ما بعدة ثورة الحرية والكرامة يجحدون كل تلك المفاخر ولا يحتفلون بالاعياد الوطنية التي عودتنا عليها تونس منذ طفولتنا و هب أنهم تظاهروا بذلك فليس هناك علامة تدل الحس الوطني لبعض من لم يذق ويلات الاستعمار والاعتقال والنفي والاغتيال والاذلال وكل أساليب القمع والتوحش ولكن المطربة عليه التي كانت تتترنم بمعاني الكفاح الوطني على أمواج الاذاعة الوطنية خففت من وجعي وحركت في والدي دماء جديدة جعلتني أحلم بشفاء قريب رغم ألتقرير الطبي الذي جعلنا نتوقع رحيله في كل لحظة ..كنت أردد معها كلمات بني وطني للشاعر الراحل عبد المجيد بن جدووزادها الملحن الشاذلي أنور سحرا على سحر ...كلمات حسبي أن أتداوى منها بها والمطربة عليّة يتغلغل صوتها الحماسي في أعماقنا :
كان والدي أثناء ثورة الحرية والكرامة يقاوم بما اوتي من صبره المعتاد مرضا مزمنا اجبره على ملازمة الفراش فتراه مستعينا بنا في قيامه وجلوسه ومرافقته الى فناء الحوش ليصافح الشمس التي ارضعته الحياة وألف توهجها في مواسم الحراثة والحصاد وغيرها من أشغال البناء ورغم معاناته وعجزه عن الحركة كان يسالني عما يجري من أحداث بعد فرار رأس النظام سابحا في سماء لا عرش فيها لسلطانه ولا شعب ولا من يناشد بقاءه الى يوم القيامة ولم يكف عن الانشغال بمصير الوطن الذي التحم بتربته الزكية منذ صباه ورواها بعرقه العطر الذي يتضوع من شجر الزيتون واللوز والصبار والارض وكل الأماكن التي احتضنته وكان يقص علي ملحمة الكفاح الوطني ككل تونسي صادق الحب والولاء لذكريات المقاومة المسلحة التي كتبت قصتها بدماء الشهداء فيغمرني شعور بالفخر والصمود والاعتزاز بالوطن فقد صور لي والدي وهو يصارع مرضه الأمي المزمن تلك المرحلة التي عاش فيها الشعب التونسي تحت قهر الاستعمار واستبداده الوحشي لتقسيم البلاد وترحيل شعبها والحلم بالتعمير على أرض أبية مستبسلة منذ ادعائه للحماية الواهمة وودباباته وطائراته نواهل من خيرات أرضنا وعروقنا الصارخة بالدماء ..كانت الثورة التونسية مناسبة عاد فيها والدي الى ذكريات الإستقلال، والصفحات المشرقة في تاريخ الوطن والوقوف عند معاني الايمان بالوطن الذي خاض عقودا من الكفاح المقدس منذ حمى الاستعمار لا الحماية التي أخمدت ، تحوّل كل أشكال المقاومة معتمدة سياسة الإغتيال والإعتقال والنفي... لكن هذا لم يكبل إرادة هذا الشعب التائق نحو التحرر ودحر الإستعمار مؤمنا بأن الليل سينجلي وبأن القيد سينكسر ...كنت استمع الى والدي وهو يسترسل في استدعاء تاريخ الثورة التونسية المسلحة ناسيا أوجاعه وعظامه التي وهنت وذهبت قوتها التي أفناها في العمل بين تونس وايطاليا ولكن كل ذلك الصراع مع الزمن والمرض لم ينزع منه ابتسامته العريضة وبريقا ينبض في عينيه الحالمتين البعيدتين وأسارير وجهه التي نسجتها السنون الحافلة بالطموح والتحدي واثبات الذات وقد سالني ذات مرة:" من هو الرئيس الذي ستولى رعاية تونس وشعبها فقد شغلني المرض عن متابعة الأخبار واقتناء الجرائد فقد فرخت الأحزاب وضاعت البوصلة فأرجو أن تكون هذه الثورة معززة لمسيرة الأجداد الذين لم يهدأ لهم قدر حتى الجلاء فتونس لا نخشى عليها الا من أبنائها يا بني كمال قال الزعيم الحبيب بورقيبة ويبغي أن يقود ها وطني يستبطن معاني الحب والوفاء والولاء ونكران الذات للخروج بالوطن من االفتنة والحروب الأهلية والطائفية اني لأخشى على الوطن من صراع الزعامات والجدل العقيم بين الديكة والكباش والنباح المسعور بين الطامعين في بريق القصر وبهرج الكراسي الوثيرة .."كان المرض الذي أقعده عن المشي يستفحل يوما بعد آخر متزامنا مع استفحال الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وكل زعيم سياسي يسعى الى كسب ثقة المواطنين فقد عاد أغلبهم من المنافي وهو لا يصدق ما حصل من تغيير جذري عصف بحقبة تاريخية أجبرت نظاما باكمله على التحليق في السماء باحثا له عن سرير يحفظ ماء الوجه الذي لم ينهمر طيلة سنوات الجمر التي كانت لا تعبأ "براية الوطن " رغم رفعها كل صباح مرفرفة فوق كل الموسسات الحكومية على ايقاع النشيد الوطني راية الوطن المخضبة بالدماء الطاهرة لشهداء تونس الأبرار ، الذين اعتنقوا سبيل الكفاح والتضحية والشهادة في سبيل الله والوطن واسخلاص العبر وأثناء استحضار تاريخ المقااومة المسلحة وبطولات الرجال الوطنيين عادت بي ذكرى وخزتني في العظم عندما وجدت زعماء ما بعدة ثورة الحرية والكرامة يجحدون كل تلك المفاخر ولا يحتفلون بالاعياد الوطنية التي عودتنا عليها تونس منذ طفولتنا و هب أنهم تظاهروا بذلك فليس هناك علامة تدل الحس الوطني لبعض من لم يذق ويلات الاستعمار والاعتقال والنفي والاغتيال والاذلال وكل أساليب القمع والتوحش ولكن المطربة عليه التي كانت تتترنم بمعاني الكفاح الوطني على أمواج الاذاعة الوطنية خففت من وجعي وحركت في والدي دماء جديدة جعلتني أحلم بشفاء قريب رغم ألتقرير الطبي الذي جعلنا نتوقع رحيله في كل لحظة ..كنت أردد معها كلمات بني وطني للشاعر الراحل عبد المجيد بن جدووزادها الملحن الشاذلي أنور سحرا على سحر ...كلمات حسبي أن أتداوى منها بها والمطربة عليّة يتغلغل صوتها الحماسي في أعماقنا :
بَـنِي وَطَـنِي يَا لُــيُوثَ الصِّــدَامِ وَجُـنْـدَ الفِــدَاءْ
نُــِريــدُ مِـنَ الحَـرْب فَــرْضَ السَّـلَاِم وَ رَدَّ العِــدَاءْ
لَأنْــتُـمْ حُــمَـــاةَ العَـــــرِيــِن أبَـــــاةْ
نُــِريــدُ مِـنَ الحَـرْب فَــرْضَ السَّـلَاِم وَ رَدَّ العِــدَاءْ
لَأنْــتُـمْ حُــمَـــاةَ العَـــــرِيــِن أبَـــــاةْ
نَــشَــدْتُـــمْ لَـــدَى المَــوْتِ حَــقَّ الحَـيَاةْ
مـَــــــدًا وَمَـــــــــدَى
..كان والدي لا يفارق مذياعه القديم حتى أثناء مرضه فهو أنيسه حيثما ولى وجهه ...
مـَــــــدًا وَمَـــــــــدَى
..كان والدي لا يفارق مذياعه القديم حتى أثناء مرضه فهو أنيسه حيثما ولى وجهه ...
الكاتب :شكري السلطاني
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع